الاثنين، 28 يناير 2019

أصل كلمة سبيطار (مستشفى)

يُسمي المستشفى في البلاد المغاربية سبيطار أو صبيطار وهي ليست من الألفاظ التي استقدمها الفرنسيون حديثا، فالكلمة كانت معروفة حتى عند دخول الفرنسيين كما نجدها في معاجمهم للغة الجزائرية.

وربما نُطقت بالـ /p/ أيضا.

Dictionnaire Français-Arabe: (Idiome parlé en Algérie), Adrien Augustin Paulmier. 1850.
Dictionnaire Français-Arabe: (Idiome parlé en Algérie). Adrien Augustin Paulmier. 1850.

ونفس الكلمة كانت شائعة في غيرها من البلاد العربية، لكنها سرعان ما تلاشت بعد التعريب واستعاض الناس عنها بمصطلحات المؤسسات الحديثة نحو مستشفى ومستوصف وعيادة وغيرها. ومن أمثلة التعريب أيضا كلمتي ambulance و automobile فإن المغاربة حافظوا على هذه الكلمات الفرنسية دون تعريب، بينما استعملها المشارقة أيضا، ثم عُرّبت إلى كلمات جديدة مثل: سيارة وسيارة إسعاف.

ومازال القلة يستعملون لفظة سبيتار مثل كبار السن في السعودية والبحرين وقطر. وقد نقل آخر أنفاسها الرحالة السعودي العبودي في معجم الكلمات الدخيلة في لغتنا الدارجة.


 وقد افترض أنها إنجليزية، وكذلك فعل علّوب في معجم الدخيل في العامية المصرية بلفظي إزبتالية وإسبتالية. ووافق هذا الرأي الدكتور عبد الرحيم في معجم الدخيل في اللغة العربية ولهجاتها (2011). بصيغة إسبتار (في فلسطين).


وفي الشام كما نقل لنا خير الدين الأسدي في موسوعة حلب المقارنة:
السبيتال: من الإيطالية ospedale عن اللاتينية Hospitalis. وأقر مجمع دار العلوم بمصر أن يسمى المستشفى: الأسبيتال. وجمعوه على: الأسبيتالات.
والتركية العثمانية كانت اقتبست رصيدا لابأس به من اللغات الإيطالية جاراتها، حيث كانت تنطق أُسبتالي أو أُسبدالي Ospedale. 

أما القول أن لفظة سبيتار بالراء دخلت من الإنجليزية مطلقا فيحتاج وقفة، لوجود مثائل قبل النفوذ الإنجليزي وكذلك لسعة انتشارها في بلاد لم تعرف هذا الاحتكاك. أما عن صوت الهاء الابتدائي فيُفهم أن السامع الأجنبي قد يهمله، وهو صوت تلاشى حتى في اللغات اللاتينية مثل الفرنسية ولم يكن دوما متداولا في نطق لفظة Hospital [مثال] بالإنجليزية بل وحتى من ينطقه قد يختلسه. وقد كنت ترسم هذه اللفظة ospitale إلى جانب hospital في الإنجليزية.

خلاصتي:

قد يتباين أصل وتاريخ دخولها إلى مختلف اللهجات، لكن أصولها الأوروبية تجتمع كلّها في اللاتينية: hospitalis بمعنى مضافة أو ملجأ. وهو نفسه ما أعطى الفرنسية[1] Hôpital وفندق Hôtel وضيافة hospitalité ومنه الإنجليزية Hospital. وهو ما تتفق عليه المعاجم التأثيلية لهذه اللغات في تتبع تاريخ كلماتها الخاصة بالمستشفى. وأقدم توثيق لها بمعنى المشفى يرجع للقرن الخامس أو السادس عشر ميلادي وبعض هذه اللغات حافظ على ازدواجية معنى اللفظة بين الضيافة والاستشفاء. في حين أن توثيق هذا المعنى في العربية متؤخر، فنحن إذن نتحدث عن كلمة انتشرت منذ أقل من أربعة قرون.

ولعل للعثمانية اسپتاليه / اسپتاليا ispitalya بمعنى مستشفى دورا في دخولها إلى عدد من هذه اللهجات مثل المصرية فالسودانية، خاصة وأن هذا النوع من المؤسسات تشرف عليه الحكومة بشكل مباشر ومثلها خستخانه‎ وقشله وأجزخانه. في حين كان للغات الأوروبية مثل الإنجليزية الأثر في إدخال بقيتها (قس عليها العملات التي كانت شائعة في البحر المتوسط والتي ترجع إلى الإمبراطوريتين الإسبانية والبرتغالية في توسعهما مثل الريال real عملة استعملت في المشرق والمغرب على السواء) وللعثمانيين يد طولى في همزة الوصل هذه أيضا.

وكذلك التجارة التي كانت رائجة والحملات التبشيرية والحروب سهلت توطيد المصطلحات وإن تتعددت أسماؤها. وفيما يلي مثلا صورة من نقش يرجع إلى القرن السادس عشر ميلادي في باريس قد توضح دور ما كان يعرف باستضافة الرب Hôtel-Dieu. إذ كانت مضافة لإطعام الفقراء ومعالجة المرضى وأقدم توثيق للعلاج والرعاية فيها يرجع إلى القرن التاسع ميلادي. ونحن هنا لا نقارن بين قدم المستشفيات بل نحاول توضيح صلة الدلالة في اللفظة. وإلا فالمؤسسات الاستشفائية المخصصة والعامة ظهرت في أول قرنين من الإسلام. أما هذه فمضافات كانت تُعنى بشتى الخدمات لعابري السبيل والمرضى والجوعى وكان لها دور في التبشير ودور في الحروب كذلك.

واللهجات العربية اليوم تستعمل ألفاظا مبنية على سبيتار/سبيتال لذات المعنى، وقلب اللام راء في هذه الكلمة يبدو قديما، فقد برز في القرون الوسطى ومن القرن العاشر ميلادي إلى عهد قريب منظمات صليبية مثل: الدواية؛ والإسبتارية وهم "فرسان [ملجأ/مضافة] القديس يوحنّا" وفي الكتابات الفرنسية من القرن الثاني عشر ميلادي كان ملجؤهم يُعرف بـ: maison de l'Ospital de Jerusalem [cnrtl]. ونجد ذكر هؤلاء الإسبتارية لدى عدة مؤرخين عرب وأجانب عاصروا الحروب الصليبية مثل العماد الأصبهاني (من القرن السادس هجري). وكذلك يقول ابن كثير في تاريخه عن صلاح الدين: "أُسِرَ مِنْ مُلُوكِهِمْ جَمَاعَةٌ، وَأَنَابُوا إِلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، مِنْهُمْ مُقَدَّمُ الدَّاوِيَّةِ، وَمُقَدَّمُ الْإِسْبِتَارِيَّةِ". وقد جاء ذكرهم بألفاظ شتى مثل: إسبتار وبيت الإسبتار ونحوها.


مناقشة:

القول أن ألفاظ اسبتار أو اسبتال أو اسبتالية أو اسبتان ونحوها عربية يحتاج دليلا، فالمعاجم والكتابات العربية لا تدعم ذلك. أما ربطها بالبيطار أو ابن البيطار  فقول لا يسنده دليل إلا بتكلّف كبير لا ينفع، كما أن:
  • تفخيم التاء طاء ظاهرة تختص ببعض اللهجات فقط وإلا فأغلبهم ينطقها بالتاء، واللهجات المغاربية تميل لتفخيم تاء الكلمات الدخيلة. كما يظهر من توثيق الكلمة المغاربية ومقارنتها بالنطق المالطي وحتى العثماني أنها كانت تنطق بحرف p.
  • وجود توثيق للفظة اللاتينية ولغاتها بمعان مقاربة يسمح بتتبع تطور المعنى فيها إلى أن أصبح أسبتال المشفى المعروف. بل حتى المؤخون العرب يذكرون طائفة الإسبتارية نسبة للأسبتال وهي عندهم أعجمية وهذا قبل ميلاد ابن البيطار.
  • لم ينقل أن العرب وثقوا مشفى أو شيئا مماثلا يُنسب لابن البيطار أو للبيطرة خلال أزيد من ألف سنة ولا وثقه غيرهم.

وأما البيطرة (معالجة الدواب) وكذا البيطار (البيطري) فهي عند المعجميين المتقدمين عربية نسبة للبطر أي الشق وكذلك تعدى معناها لتهذيب الحافر وخياطة الثياب. يقول ابن فارس:
الْبَاءُ وَالطَّاءُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الشَّقُّ. وَسُمِّيَ الْبَيْطَارُ لِذَلِكَ. وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الْمُبَيْطِرُ. قَالَ النَّابِغَةُ:
شَكَّ الْفَرِيصَةَ بِالْمِدْرَى فَأَنْفَذَهَا ... شَكَّ الْمُبَيْطِرِ إِذْ يَشْفِي مِنَ الْعَضَدِ

فاللفظة جاهلية على اعتبار هذا الشاهد. وهي تختص بالدواب فقط، أما للإنسان فيقال طبيب وحكيم ونحوها. وأما ابن بيطار العشاب وعالم النباتات الأندلسي فيُنسب إلى أبيه البيطري.

أما اللسانيون المعاصرون، فيرون أن الأصل الأقدم للفظة البيطرة يرجع إلى الإغريقية ἱππιατρoς (hippiatros) بذات المعنى وهي مركبة من hippos أي حصان و iatros طبيب، ومنه مجموعة المؤلفات البيزنطية المعروفة باسم Hippiatrica. وكجل الكلمات الإغريقية التي كانت رائجة في الإمبراطورية البيزنطية التي ضمت الشام ومصر دخلت العربية غالبا عبر الجوار الآرامي مثل السريانية ﭘـيَطرا ܦܝܛܪܐ piaṭrā (ولها مثيلة بالباء، لكن لو كان الجذر المشترك قديما لانتقلت اللفظة على الغالب بالفاء إلى العربية). يعني حتى لفظة البيطرة قد لا تكون عربية الأصل.

وقد واصلت كلمة البيطار رحلتها من العربية ودخلت لغات أخرى مثل اللغات التركية والأرمينية وحتى الإسبانية albéitar وهي كلها بمعنى البيطري (معالج الدواب).

والعرب قد عرفوا المشفى باسم البيمارِستان أو المارِستان أي دار المرضى وهي لفظة معرّبة من الفارسية  بيمار أو وِمار أي مريض وستان أي موضع وما زالت مستعملة في بلاد الشام. فهل سيُزعم أنها كلمة عربية أيضا؟ اللغات يأخذ بعضها من بعض وهذا ليس أمرا معيبا إنما هو جزء من الطبيعة البشرية.


متغيرات:

للمزيد من المعلومات حول المستشفى في اللهجات العربية، يمكن مراجعة أطلس في اللهجات العربية مثل: Wortatlas der arabischen Dialekte By Peter Behnstedt, Manfred Woidich.

للتمثيل لا الحصر نعيد ذكر بعضها:
- كل الدول المغاربية: سبيطار (مع تباينات بسيطة في المد)
- مالطا: sptar / isptar
- التركية العثمانية: اسپتاليه
- مصر: أسبيتال، إسبِتاليه، إزبِتاليه، استباليه
- السودان: إسبِتاليه
- سوريا: سبيتال
- فلسطين: إسبتار، سبتار، إصبطار، سبطار
- الخليج (مثل السعودية، قطر، الإمارات، عمان): سبيتار، سبيتال، سبيتان، إسبيتار*
- اليمن [للتأكيد]: إصطبان، أوسبيطال (تبدو حديثة)
- وفي شبه الجزيرة الهندية نجدها بشكل اسپتال (ولعلها من الإنجليزية مباشرة).

والله أعلى وأعلم.


[1] للتوضيح: الفرنسية كانت لغة وسيطة في تصدير رصيد معجمي كبير للإنجليزية، لكنها تطورت صوتيا بعدها ومن ضمن ذلك اختفاء صوت السين السابق للتاء أحيانا لذلك تكتب الفرنسية الصوائت مثل ô بقوس أو قبعة للدلالة على حذف صوتي للسين ومن أمثلة ذلك côte، forêt، arrêt بينما مازلت في الإنجليزية cost, forest, arrest علما أنه في بقية تصريفات الكلمة قد يبقى السين مثل arrestation, forestier، إلخ.

هناك 18 تعليقًا:

  1. هل في عهد الرومان كانت فرقة من الجيش الروماني تُسمى الأوسبتارية وهي لتعالج جرحى الحرب وما الى ذالك

    ردحذف
    الردود
    1. يعطيك الصحة
      اعتقد ان اصل كلمة سبيطار هي جمع لكلمة "سي بيطار" ففي شمال افريقيا العادة ان يسبق الاسم كلمة سيدي أو سي، تشريفات واحتراما له فنقول سي فولان، ولالة فولانة
      والمعروف ان ابن بيطار كان عالما في الصيدلة والأدوية والطب وانتقاد علماء مثل ابن سينا والراي، فكانت له مكانة مرموقة لدى عامة الناس، فكان يقولون يجب الذهاب إلى سي بيطار.. ومع الوقت أصبح المكان المخصص لإعطاء الأدوية والعلاج يسمى يس بيطار
      ومنه أخذت جمبيع اللغات تسمية سبيطار
      مثلما اخذو من قبل كلمة مدينة سينا اي مديسينا médecine
      والله اعلم

      حذف
    2. أصل كلمة سبيطار هي صبي بيطار
      نسبة للعالم إبن بيطار

      حذف
    3. هذه الكلمة عندما عدة تفسيرات و قصص و لا أحد يعرف أصل الكلمة الحقيقي

      حذف
  2. حتى في تونس نقولو سبيطار

    ردحذف
  3. راك غالط السبيطار كلمة عربية اصيلة و تنسب الى الطبيب العربي الشهير محمد ابن البيطار وتنسب اليه سي البيطار السبيطار

    ردحذف
  4. السلام عليكم
    عندنا في فلسطين تستعمل سبيطار للدلاله على المستشفى

    ردحذف
  5. السبيطار كلمة عربية قديمة

    ردحذف
  6. كلمة سبيطار او سبيتار هي ترجمة لكلمة انقليزية او فرنسية presbytère ومعنى اين يسكن الكاهن كان في ما مضى يتم معالجة المرضى في ذلك الدير وليست كلمة عربية

    ردحذف
    الردود
    1. صحيح presbytère مأخوذة من العربية près bytere نسبة للعالم بيطار
      لان الفرنسية لغة حديثة لم تكن موجودة قبل ابن بيطار
      ومنه أيضا جاءت كلمة vétérinaire من beteri اي بيطري من بيطار

      حذف
  7. كلمة سبيطار او سبيتار ترجمة لكلمة انقليزية وفرنسي presbytère اي الدير اين يسكن الكاهن في ما مضى كان يتم معالجة المرضي هنالك

    ردحذف
  8. والله أغميا علينا كل لديه راي أتفق العرب ألا يتفقو

    ردحذف
    الردود
    1. الغرب اتفقو على طمس اثار العرب والاسلام في كل العلوم.
      الكلمة واضحة وضوح الشمس. البيطرة نسبة لابن البيطار وهو يقول البيطره وتعني شق اي بطر وهو علاج الحيوانات ههههههههه اذا الطبيب الجراح ايضا بيطري

      حذف
  9. معنى صبيطار هي صبي البيطار و البيطار هو طبيب اعشاب قديم و الصبي كان خادما له فكان الناس يقولون للمرضى اذهبو الى البيطار وبعده جاء الصبي الذي تعلم من البيطار وفأصبح الناس المرض يذهبون الى صبيطار للعلاج

    ردحذف
    الردود
    1. باينا بلي شفتها في الحصة تاع قناة البلاد ياك

      حذف
  10. كلمة صبيطار كلمة عربية مأخوذة من كلمة صبي البيطار لان العرب سابقا كانو ياخذون الدواء من ابن البيطار واذا لم يجدوه يقولون اذهب لصبي البيطار و هو الفتى الذي يتعلم عند البيطار و لتخفيف الكلمة اصبحت صبيطار

    ردحذف
  11. نحن في ليبيا أيضا نقول اسبيتار أو مستشفى

    ردحذف