في البلاد المغاربية وفي الجزائر، تُجمع "الدَار" على دْيار ودْيور وهي جموع فصيحة على فِعال وفُعول، وأما "الدوّار" -وتجمع على دْواور ودَواوير- فالقرية (أو الديرة كما في غيرها من اللهجات)، ولفظة دوّار إما راجعة إلى:
- نمط تكتل القُرى وكذا تسويرها في القديم، والصاحب بن عباد ذكر في الدُوّار أنه "الحائطُ المَبْنِيُ المُسْتَدِيْر".
- أو ولعله الأصوب في كون "الحي" أو "الديار" محل العيش أي أن الناس تدور في مداره، وفعل دار يعني السير والتجول (وبالتضعيف يدوّر أي يبحث في غيرها من اللهجات). وابن جني يرى كذلك أن "الدار مِن دارَ يدورُ؛ لكثرة حركات النّاس".
والدار والبيت في اصطلاح المغاربة لا يترادفان، فالبيت عندهم بمعنى الغرفة والدار هو مجمل المسكن.
وذلك أن البيت في القديم هو الحجرة المسقّفة والذي يُبنى بجواره بيوت ومرافق تحيط بالحوش وتكون عادة لعائلة واحدة، فالدار تشتمل الحوش وهذه البيوت أو الحُجرات وما يحيط بها من زرب وسياج.
وأما لفظ الغرفة فقد تختص بالغرف العلوية على الطابق وتكون عادة أصغر حجما ونجدها في الأمازيغية القبائلية بشكل تَغُرْفَت taɣurft. وقد تجد في مجمل الدار مثلا: بيوت الرقاد (غرف النوم) والحوش أو وسط الدار كما يسمى والزريبة وبيت الخزين وبيت الضياف أو القعاد وملحق مخصص للطبخ كان يُعرف بالمطبخ أو الخيامة أو بالقبائلية أخام ثمس Axxam tmes (بيت النار) وقد تجد غرفة قضاء الحاجة أو ما يصطلح عليه ببيت الراحة أو بيت الماء أو بيت الخلا أو الكنيف ونحوه. [1]
ومدى توفّر هذه المرافق أو تفصيلها يختلف حسب إمكانيات الناس وبيئاتهم وما إذا كانت منطقة ريفية أو حضرية. وفيما يلي مثال محاكاة بيت لعله يرجع إلى نحو ألف سنة كنت قد صورته في زيارتي لمتحف سطيف.
ونمط بناء الدور هذا ما زال قائم بشكل مماثل إلى يومنا هذا خاصة في الأرياف.
على أن الناس في الفصحى المعاصرة تميل إلى مرادفة الدار والبيت والمنزل في حين أنها ليست واحدة. والمتقدمون حاولوا تمييز استعمالها وجملة ما ذكروا قريب لهذا الاستعمال:
- فقد جاء في كتاب الكليات لأبي البقاء: البيت هو اسم لمسقف واحد له دهليز. والمنزل اسم لما يشتمل على بيوت، وصحن مسقف ومطبخ يسكنه الرجل بعياله. والدار اسم لما اشتمل على بيوت، ومنازل، وصحن غير مسقف. والدار دار وإن زالت حوائطها والبيت ليس ببيت بعدما انهدم. اهـ.
- وقال المناوي في التعاريف: البيت موضع المبيت من الدار المخصوصة من المنزل المختص من البلد. اهـ.
- وقال المطرزي في كتابه المغرب في ترتيب المعرب: ( المنزل ) : موضع النزول، وهو عند الفقهاء دون الدار وفوق البيت، وأقله بيتان أو ثلاثة. اهـ.
هامش:
[1] والذي كان في الأرياف مرفق أبعد قليلا (agudi بالقبائلية) كأن يكون خلف الدار علما أن الدور متباعدة فيما بينها، وقاعُه من تراب كما يدفن القط فضلاته ويتم تبديل هذا التراب بشكل دوري. أما في الزمن الأول فقد كانت الناس تقضي حاجتها في الخلاء بعيدا عن الدور حتى لا تؤذيهم الفضلات ولعدم وجود أنظمة تصريف آنذاك، فالبَراز مثلا ما سُمي برازا إلا كناية عن قضاء الحاجة، والبَرَاز لغة الفضاء الواسع. وبرز بمعنى خرج، ويقال خرج إلى البراز أي لقضاء حاجته، وكذا الغائط وأصله الأرض الواسعة أو السهلية ولعل منه غوطة الشام أو الأغواط في الجزائر، (على أن ابن خلدون جعل الأغواط من لقواط بطن من زنانة، ولعله لا يمنع أن تكون ساكنتها من زناتة آنذات والتسمية اشتهرت من العربية بعد الهجرة البدوية حيث ما زال الناس يقلبون الغين قاف إلى يومنا هذا في هذه البقاع). والخلاصة أن الغائط والبراز كلمات متأدب فيها عن ذكر الخِراء. وفي الحديث الصحيح: "إن نبيكم علمكم كل شيء حتى الخِراءة" ولعل من قاله بدوي أراد السخرية أو أراد التعجب (يُنظر فتح المنعم في شرح مسلم)، بينما رد سلمان الفارسي باستعمال الغائط. فلعل لفظة الخراء أو الخرء هي الصريحة، وقد تفننت لهجات الناس بعد ذلك في ابتداع أسماء لأوصاف وأشكال هذا في التركيب والبنية وفي الإنسان والحيوان.
فائدة: ولذكرنا مادة دار فالدوّارة عند المغاربة هي الكرش، وقد نقل ابن سيده: "ودَوّارَةُ البَطْنِ، ودُوارَتُه، عن ثَعْلَبٍ: ما تَحَوَّى من أَمْعاءِ الشاةِ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق