الثلاثاء، 18 فبراير 2025

أصل كلمة قيطون

القِـيطون في البلاد المغاربية الخيمة أو جنس منها، وقد أعطت للفرنسية في القرن التاسع عشر guitoune بذات المعنى خاصة في الاستعمال العسكري، والكلمة المغاربية ترجع غالبا إلى الاستعمال العربي الموثق في صدر الإسلام، جاء في العين وهو أحد أقدم المعاجم العربية من القرن الثاني هجري: (والقَيطونُ: المُخْدَع في لغة البربر ومصر).



والمُخْدَع[1] بمثابة الحجرة في البيت وتكون للتخزين أو جناحا النوم والمخادع تكون في بيوت المدر وفي بيوت الشعر، وهو ما يلخصه صاحب اللسان في باب قطن: "والقَيْطونُ: المُخْدَع، أَعجمي، وقيل: بلغة أَهل مصر وبَرْبَر. قال ابن بري: القَيْطون بيت في بيت؛ قال عبد الرحمن بن حسان [2]:
قُبَّة من مَراجِلٍ ضَرَبَتْها،
عند بَرْدِ الشتاءِ، في قَيْطونِ" والقبة الخيمة.


والمعجميون المتقدمون متفقون أن القيطون كلمة أعجمية، ينسبونها إلى لغة أهل مصر[3]. وإذا أخذنا صحة نسبة تداولها إلى شمال إفريقيا عموما فإن العامل المشترك إلى جانب الآرامية قيطونا קִיטֹונָא بمعنى غرفة النوم هو الوجود البيزنطي، وبالتالي فإن أصل الكلمة الأقدم قد يكون من الإغريقية المتأخرة كيتون κοιτών بذات المعنى أي غرفة النوم.[4]

والكلمة متداولة من ليبيا إلى أقصى المغرب لكن البدو وأهل الخيام لا يستعملونها لخيامهم التقليدية بل يسمونها بالخيمة أو البيت أو العشة وما ماثلها وكأن القيطون لفظة دخيلة عليهم أو على بعضهم. والاستعمال المعاصر في البلاد المغاربية، يغلّب استعمال القيطون للخيم الصناعية الحديثة في مقابل الخيم التقليدية المنسوجة من الوبر والشعر.[5] أو يخصص استعمالها في سياقات وظيفية مثل قيطون العرس أو العزاء في بعض المناطق. فلعل للاستعمال الفرنسي والعسكري دورا في تخصيص المعنى أو هو بالفعل دخيل بشكل من الأشكال كأن يكون لغة بعضهم فقط أو يكون لغة في اللهجات التي الهجرات الهلالية.

واللفظة متداولة في لهجات أمازيغية أيضا مثل القبائلية والريفية أقيظون aqiḍun ولعل الكلمة أيضا استعملت في الأندلس قديما ومنها ربما البرتغالية Alquitão [6] وهي عربة كانت تُجعل للنساء، والكلمة موثقة في اللغات الإثيوبية مثل الجعزية ቀይጡን بمعنى حجرة التخزين أو الخزانة أو نحوها.

قد تستهجن علاقة الخزانة بالخيمة، لكن دلالتهما مرتبطة، بل أنه في المغرب الأقصى تسمى الخيمة بالقيطون وتُسمى الخيمة بالخزانة وقد تُسمى بالوتاق.


وابن قيطون اسم شاعر من القرن التاسع عشر من بوادي الجزائر نواحي بسكرة واشتهر بسرده قصة سعيد وحيزية. بمطلعه:
عَزَُونِي يَا مْلاَحْ سَكْنَتْ تَحْتْ الْلحُودْ ** فِي رَايَسْ لَبْنَاتْ نَارِي مَقْدِيَّة

ومما يروى في الأمثال المشرقية قولهم "إذا سبّح القيطون فقد همّ بسرقة" يريدون من تستر بالدين، وقيل أن القيطون حيوان طير أو ثعلب أو قط، ومنهم من جعله من ذات المعنى أي الخزانة كناية أو لقبا على الموكل بالخزانة.


هامش:
[1] جاء في العين: "والإخْدَاعُ: إخفاء الشَّيْء، وبه سُمِّيَتْ الخِزانَةُ مُخْدَعاً." وعند الرازي: "وَ (الْمُخْدَعُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا الْخِزَانَةُ وَأَصْلُهُ الضَّمُّ إِلَّا أَنَّهُمْ كَسَرُوهُ اسْتِثْقَالًا". وفي المصباح: "وصلاتها في مخدعها بضم ميم ويفتح، البيت الذي يخبأ فيه خير المتاع، وهو الخزانة داخل البيت الكبير ... وَالْمُخْدَعُ بِضَمِّ الْمِيمِ بَيْتٌ صَغِيرٌ يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ وَتَثْلِيثُ الْمِيمِ لُغَةٌ مَأْخُوذٌ مِنْ أَخْدَعْتُ الشَّيْءَ بِالْأَلِفِ إذَا أَخْفَيْته."
[2] والقبة الخيمة، وربما أراد بالمراجل مادة صنعه، وعبد الرحمن الذي استشهد بالبيت المنسوب له هو ابن حساب بن ثابت من سيرين القبطية لكنه مدني.
[3]  لكنها لم تعد مستعملة فيها إلا ربما ما جاور ليبيا مثل سيوة أقيطون.
[4] CNRTL الفرنسي
[5] وهو أيضا ما يُفهم من مقال "الخيمـة: أدواتها وقيمها الرمزية بين الماضي والحاضر" لسليم درنوني ضمن رسالة في دراسة أنثروبولوجية في الزيبان وجنوب الأوراس: "كانت البداوة والترحال تعتمد السكن المتنقل والخفيف المحمل مثل الخيمة. وأصبح بقايا البدو يعتمدون على الخيم الإصطناعية (القيطون)، والمساكن القارة في الواحات وقرب المزارع."
[6] وفي ليبيا القيطون قد يراد به الغطاء أو القماش الذي يكون على بعض الخيم والشاحنات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق